حكم نقض: طبيعة مسئولية هيئة البريد عن الهلاك والتلف والتأخير في التسليم إثناء نقل الرسائل والطرود البريدية
الطعن رقم ٩٤٥٨ لسنة ٨٨ قضائية
الدوائر التجارية - جلسة ٢٠٢٠/٠٦/٠٩
طبيعة مسئولية هيئة البريد عن الهلاك والتلف والتأخير في التسليم إثناء نقل الرسائل والطرود البريدية.
من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن هيئة البريد وهى تباشر ضمن عملياتها نقل الرسائل والطرود تعتبر أمينة للنقل ووكيلة بالعمولة في الوقت نفسه، فهي تتسلم الرسائل والطرود من أصحابها ثم تقوم بنقلها بواسطة عمالها وسياراتها أو بواسطة قطارات السكة الحديد أو طائرات الرحلات الداخلية إلى المرسَل إليهم داخل مصر، أو تقوم بنقلها بواسطة طائرات الرحلات الخارجية إن كان المرسَل إليهم في الخارج، وكل هؤلاء أمناء نقل كل منهم في دائرة عمله واختصاصه، وتتولى هيئة البريد الاتفاق معهم بغير تداخل من المرسِل. وعلى ذلك فإن هيئة البريد حين تنقل الرسائل والطرود بنفسها ووسائلها الخاصة تبقى دائمًا أمينًا للنقل، وإن استعانت بغيرها واختارت هى هذا الغير صارت وكيلًا بالعمولة للنقل لأنها هي المشرفة على العملية من بدايتها إلى نهايتها، أو بمعنى آخر هى الآمرة والمسيطرة عليها بغير تداخل من المرسِل، ويعتبر عملها هذا عملًا تجاريًا تحكمه المادة ٥(ح)، والمواد ٢٠٨ وما بعدها، والمواد ٢٧٣ وما بعدها من قانون التجارة التي توجب عليها نقل الرسائل والطرود وسلامة وصولها وتسليمها للمرسَل إليهم وتحمل مسئولية الهلاك والتلف والتأخير في التسليم. والمسئولية هنا بطبيعتها مسئولية تعاقدية تنشأ عن إخلالها بواجبها في تنفيذ عقد النقل، فتلتزم بالتعويض طبقًا للقواعد المقررة في القانون المدني وفى نطاق مشروعية شروط الإعفاء من المسئولية أو تحديدها.
حيث إن الطعون الثلاثة استوفت أوضاعها الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن في الطعن الأول أقام على الهيئة المطعون ضدها الأولى والشركة المطعون ضدها الثانية في ذات الطعن الدعوى رقم …… لسنة ٢٠١٢ تعويضات كلى شمال القاهرة بطلب الحكم بإلزامهما أن يؤديًا له مبلغ ٠٠٠,٥٠٠,٣ جنيه تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقت به من جراء خطئهما المتمثل في عدم اتخاذهما الإجراءات اللازمة التى تضمن سلامة وصول الطرد الخاص به إلى المرسل إليه في الميعاد المناسب، وبيانًا لذلك قال إنه أرسل عن طريق هيئة .........طردًا اشتمل على أوراق الاختبار لإحدى الدورات المعقودة بالمركز الخاص به إلى هيئة الممتحنين ......، وبتاريخ ٧ / ٧ / ٢٠١١ وصل الطرد إلى قسم التصدير الرئيسى بالبريد السريع، وبتاريخ ٨ / ٧ / ٢٠١١ وردت له رسالة بريد إلكترونى من شركة …… تفيد وضع الطرد ضمن إرسالية عامة إلى ...... على متن الرحلة رقم …….، إلا إنه فوجئ بوصول الطرد إلى الجهة المرسل إليها بتاريخ ٤ / ١ / ٢٠١٢،
ولما كان ذلك .التأخير قد ألحق أضرارًا مادية وأدبية بالمركز الخاص به، ومن ثم كانت الدعوى. ندبت المحكمة خبيرًا لأداء المأمورية المبينة بمنطوق حكمها وبعد أن أودع تقريره، أقامت الشركة المطعون ضدها الثانية دعوى ضمان فرعية ضد الشركة المطعون ضدها الثالثة، وبتاريخ ٦ / ٧ / ٢٠١٧ حكمت المحكمة (أولًا) بعدم قبول دعوى الضمان شكلًا. (ثانيًا) بإلزام الهيئة المطعون ضدها الأولى والشركة المطعون ضدها الثانية بالتضامن أن يؤديًا للطاعن ما يعادل ١٧ وحدة حقوق سحب خاصة عن كل كيلو جرام طبقًا لوزن الطرد المرسل محل التداعى وفقًا لقيمتها بالجنيه المصري لدى البنك المركزى وقت صدور الحكم وكذا مبلغ مائة ألف جنيه تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم …… لسنة ٢١ق أمام محكمة استئناف القاهرة، كما استأنفته الهيئة المطعون ضدها الأولى والشركة المطعون ضدها الثانية بالاستئنافين رقمى ….، ….. لسنة ٢١ق أمام ذات المحكمة، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين الثانى والثالث إلى الأول قضت بتاريخ ١٣ / ٣ / ٢٠١٨ بالتأييد. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض برقم ٩٤٥٨ لسنة ٨٨ق، كما طعنت عليه الشركة المطعون ضدها الثانية والهيئة المطعون ضدها الأولى في الطعن الأول بذات الطريق بالطعنين رقمى ….، …… لسنة ٨٨ق، وقدمت النيابة العامة ثلاث مذكرات أبدت فيها الرأى بالرفض، وإذ عُرِضَت الطعون الثلاثة على هذه المحكمة في غرفة مشورة، حددت جلسة لنظرهم، وفيها ضمت الطعنين الثانى والثالث إلى الأول ليصدر فيها حكم واحد، والتزمت النيابة رأيها.
أولًا - عن الطعن رقم ٩٤٥٨ لسنة ٨٨ق المرفوع من …….
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن بسببى الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق، وفى بيان ذلك يقول إن الحكم ولئن انتهى صحيحًا إلى ثبوت خطأ الهيئة المطعون ضدها الأولى والشركة المطعون ضدها الثانية، إلا إنه عند تقدير التعويض المقضي به استند إلى اتفاقية مونتريال الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم ٢٧٦ لسنة ٢٠٠٤ بتاريخ ٢٨ / ٨ / ٢٠٠٤، في حين أن تلك الاتفاقية قد نصت في الفِقرة الثالثة من المادة الثانية منها على عدم سريانها على نقل الرسائل والطرود البريدية وتركت تطبيق أحكامها للقانون الوطنى للدولة، فضلًا عن أن الحكم قد التفت عن مستنداته التى تثبت تكبده خسائر جسيمة من جراء خطأ الهيئة المطعون ضدها الأولى والشركة المطعون ضدها الثانية، وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى في محله، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين على قاضى الموضوع استظهار حكم القانون الصحيح المنطبق على الواقعة المطروحة عليه وهو في ذلك يخضع لرقابة محكمة النقض، وأن واجب محكمة النقض لا يقتصر على مجرد وصف الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون وإنما عليها أن تبين في حكمها التطبيق القانونى الصحيح لأن تطبيق القانون على وجهه الصحيح لا يحتاج إلى طلب الخصوم بل هو واجب القاضى. وكانت اتفاقية توحيد بعض قواعد النقل الجوى الدولى، مونتريال لسنة ١٩٩٩، التى أصبحت تشريعًا داخليًا - بعد الموافقة عليها بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم ٢٧٦ لسنة ٢٠٠٤ الصادر بتاريخ ٢٨ / ٨ / ٢٠٠٤ والمنشور بتاريخ ٢٣ / ٤ / ٢٠٠٥ في الجريدة الرسمية - والتى دخلت حيز النفاذ بتاريخ ٢٥ / ٤ / ٢٠٠٥، وبمقتضاها تم تحديث اتفاقية وارسو لعام ١٩٢٩ والوثائق المتصلة بها، قد نصت في الفِقرة الأولى من المادة الأولى منها على أنه " تسرى هذه الاتفاقية على كل نقل دولى للأشخاص أو الأمتعة أو البضائع تقوم به طائرة بمقابل وتسرى أيضا على النقل المجانى بطائرة الذى تقوم به مؤسسة للنقل الجوى". وفى المادة الثانية منه على أن " ١ - تسرى هذه الاتفاقية على النقل الذى تقوم به الدولة أو الأشخاص الاعتباريون الآخرون الخاضعون للقانون العام وفقا للشروط المنصوص عليها في المادة (١). ٢ - عند نقل المواد البريدية يكون الناقل مسؤولًا فقط تجاه إدارة البريد المختصة طبقًا للقواعد التى تنطبق على العلاقة بين الناقلين وإدارات البريد. ٣ - فيما عدا ما ورد في الفقرة (٢) من هذه المادة لا تسرى أحكام هذه الاتفاقية على نقل المواد البريدية."، يدل على أن أحكام اتفاقية مونتريال لسنة ١٩٩٩ لا تسرى إلا على النقل الجوى الدولى للأشخاص أو الأمتعة أو البضائع، ويشترط أن يكون النقل تجاريًا؛ أى ذلك النقل الذى يستهدف الناقل منه تحقيق الربح مما يحصل عليه من أجر من المسافرين أو أصحاب البضائع، وسواء تحقق الربح أو لم يتحقق، ومع ذلك يخضع النقل بالمجان لقواعد الاتفاقية المذكورة إذا قامت به طائرة إحدى مؤسسات النقل الجوى، وأنه تسرى أحكام هذه الاتفاقية سواء كان القائم بالنقل الدولى هو الدولة أو شخص من أشخاص القانون العام أو الأفراد أو الشركات والمؤسسات الخاصة وفقًا للشروط الواردة في المادة الأولى، وقد استبعدت اتفاقية النقل الجوى الدولى الرسائل والطرود البريدية من نطاق تطبيقها، ونصت صراحة على عدم مسئولية الناقل في حالة نقل المواد البريدية إلا في مواجهة هيئة البريد المختصة وطبقًا لقواعد العلاقة بينهما. وهذا الذى نصت عليه اتفاقية مونتريال لسنة ١٩٩٩ بشأن استبعاد نقل المواد البريدية من نطاق تطبيقها لم يكن جديدًا وإنما هو امتداد لما انتهجته ابتداءً اتفاقية وارسو (فارسوفيا) لسنة ١٩٢٩ بشأن توحيد بعض قواعد النقل الجوى الدولى.
لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الطاعن قد أقام دعواه الماثلة بطلب إلزام الهيئة المطعون ضدها الأولى والشركة المطعون ضدها الثانية بالتعويض المطالب به على سند من عدم اتخاذهما الإجراءات اللازمة لضمان سلامة وصول الطرد البريدى الخاص به إلى المرسل إليه في وقت مناسب مما ألحق به أضرارًا جسيمة، فإن الدعوى الماثلة تكون متعلقة بنقل مواد بريدية والتى تخرج من نطاق تطبيق اتفاقية مونتريال لسنة ١٩٩٩ وفقًا لصريح نص الفِقرة الثالثة من المادة الثانية منها على النحو السالف بيانه، وبالتالى فلا يكون هناك أى محل لتقدير التعويض وفقًا لأحكامها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأيد الحكم الابتدائي الذى قدر التعويض المقضي به للطاعن بما يعادل ١٧ وحدة حقوق سحب خاصة عن كل كيلو جرام طبقًا لوزن الطرد المرسل محل التداعى وفقًا لقيمتها بالجنيه المصري لدى البنك المركزى وقت صدور الحكم استنادًا إلى المعايير المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، كما قضى له بمبلغ مائة ألف جنيه تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية وفقًا للمادة ٢٢(٦) من ذات الاتفاقية، على الرغم من عدم انطباقها على وقائع الدعوى الماثلة وخضوع تقدير التعويض لأحكام القواعد العامة في القانون المدنى بالنظر إلى المسئولية التعاقدية الناشئة عن عقد النقل فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، وقد حجبه هذا الخطأ عن تحقيق عناصر الضرر الذى أصاب الطاعن وتقدير التعويض الجابر له، بما يوجب نقضه في هذا الخصوص على أن يكون مع النقض الإحالة.
ثانيًا: عن الطعن رقم ٩٥٥٩ لسنة ٨٨ق المرفوع من ............
لما كان ذلك. وحيث إن الشركة الطاعنة تنعَى على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول الخطأ في تطبيق القانون، وفى بيان ذلك تقول إن المطعون ضده الأول قد اختصم في دعواه رئيس مجلس إدارة الشركة على الرغم من انعدام صفته في تمثيلها قانونًا، إذ إن صاحب الصفة في تمثيلها بوصفها إحدى شركات قطاع الأعمال العام هو عضو مجلس الإدارة المنتدب عملًا بالمادتين ٢٣، ٢٤ من القانون رقم ٢٠٣ لسنة ١٩٩١، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى غير سديد، ذلك أن النص في الفِقرة الثالثة من المادة ١١٥ من قانون المرافعات على أنه " وإذ تعلق الأمر بإحدى الوزارات، أو الهيئات العامة، أو مصلحة من المصالح، أو بشخص اعتبارى عام، أو خاص، فيكفى في تحديد الصفة أن يُذكر اسم الجهة المدعى عليها في صحيفة الدعوى"، يدل وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية على أنه نظرًا لتعدد صور الشخص الاعتبارى العام وتنوعها ما بين هيئات ومؤسسات وشركات عامة وغيرها وما قد يحدث من إدماج بعضها أو تغيير تبعيتها أو تعديل شخص من يمثلها فقد ارتأى المشرع تخفيفًا عن المتقاضين ومنعًا لتعثر خصوماتهم صحة اختصام الشخص الاعتبارى متى ذكر بصحيفة الدعوى اسمه المميز له دون أن يؤثر في ذلك الخطأ في بيان ممثله أو اسم هذا الممثل أو إغفال هذا البيان كلية.
لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الدعوى قد وجهت إلى الشركة الطاعنة كشخصية اعتبارية مستقلة عن شخصية ممثلها القانونى، باعتبارها الأصيلة المقصودة بذاتها في الخصومة دون ممثلها، فإن ذكر اسمها في صحيفة الدعوى يكون كافيًا لصحتها دون اعتداد بما يكون قد وقع فيها من خطأ في بيان صاحب الصفة في تمثيلها، ومن ثم يكون النعى على غير أساس.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعَى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثانى الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفى بيان ذلك تقول إنها قد تمسكت أمام محكمة الاستئناف بدفوع جوهرية، إلا إن الحكم المطعون فيه التفت عن الرد عليها مكتفيًا بالإحالة في قضائه إلى الحكم الابتدائي والذى جاء خاليًا من الرد على هذه الدفوع، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كانت الطاعنة لم تحدد ماهية أوجه دفوعها التى تقول إن الحكم المطعون فيه التفت عن الرد عليها وأثرها في الفصل في الدعوى، وكان لا يكفى في تحديدها مجرد ما قالته من أنها دفوع جوهرية إذ في هذه العبارة من التعميم والتجهيل ما لا يمكن أن يُفهم معه ماهية هذه الدفوع ومدى جوهريتها وأثرها في قضاء الحكم، فإن النعى بهذا السبب يكون مجهلًا وبالتالى غير مقبول.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعَى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثالث من أسباب الطعن مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفى بيان ذلك تقول إنه أسس قضاءه على أحكام قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩، في حين إن اتفاقية مونتريال لسنة ١٩٩٩ هى الواجبة التطبيق على الدعوى الماثلة، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى غير صحيح، ذلك بأن الثابت من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أنه لم يُعمل أحكام قانون التجارةالمصري بالنسبة إلى الطاعنة وإنما طبق أحكام اتفاقية مونتريال - دون تعييب أو نعى من جانبها على ذلك التطبيق على أى نحو – وفق ما سلف بيانه من رد على سببى الطعن الأول رقم ٩٤٥٨ لسنة ٨٨ق.
ولما تقدم، يتعين رفض الطعن.
ثالثًا - عن الطعن رقم ٩٧٦١ لسنة ٨٨ ق المرفوع من ...............
وحيث إن الهيئة الطاعنة تنعَى بالوجه الأول من سبب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، إذ قضى برفض الدفع المبدى منها بعدم قبول الدعوى لعدم سبق اللجوء إلى لجان التوفيق في المنازعات المنصوص عليها في القانون رقم ٧ لسنة ٢٠٠٠ قبل رفع الدعوى رغم أن الخصومة لا تندرج ضمن الأنزعة المستثناة من اللجوء فيها إلى تلك اللجان، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى غير سديد، ذلك أن النص في المادة الأولى من القانون رقم ٧ لسنة ٢٠٠٠ بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التى تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفًا فيها على أن" ينشأ في كل وزارة أو محافظة أو هيئة عامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة لجنة أو أكثر للتوفيق في المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التى تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين بها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة"، وفى المادة الحادية عشرة منه على أنه "... لا تُقبل الدعوى التى تُرفع ابتداءً إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول ..."، مؤداه أنه يلزم لعرض النزاع ابتداءً على تلك اللجان أن يكون جميع أطراف النزاع ممن عددتهم المادة الأولى من القانون المشار إليه.
لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن المطعون ضده الأول أقام دعواه الماثلة بطلب الحكم بإلزام الهيئة الطاعنة والشركة المطعون ضدها الثانية بمبلغ التعويض المطالب به، وكانت الشركة الأخيرة باعتبارها من شركات قطاع الأعمال العام، من غير من عناهم الشارع بنص المادة الأولى المشار إليها، فإن شرط تطبيق أحكام القانون رقم ٧ لسنة ٢٠٠٠ سالف البيان يكون غير متوافر ومن ثم يحق للمدعى (المطعون ضده الأول) رفع دعواه مباشرة أمام القضاء دون أن يسبقها تقديم طلب لعرض النزاع على اللجان آنفة البيان، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع المبدى من الطاعنة بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذى رسمه القانون، فإنه يكون قد التزم صحيح القانون، ويضحى النعى بهذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن الهيئة الطاعنة تنعَى بالشق الأول من الوجه الثانى من سبب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفى بيان ذلك تقول إن العلاقة بينها والمطعون ضده الأول تنظمها الاتفاقيات الدولية للبريد والقواعد التنظيمية للاتحاد الدولى للبريد والقانون رقم ١٦ لسنة ١٩٧٠ الخاص بنظام البريد غير أن الحكم المطعون فيه خالف ذلك كله وقام بتطبيق اتفاقية مونتريال ١٩٩٩، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى غير مقبول، ذلك بأن العبرة في تفصيل أسباب الطعن وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة هى بما جاء بصحيفة الطعن وحدها، ذلك أن المادة ٢٥٣ من قانون المرافعات إذ أوجبت أن تشتمل صحيفة الطعن بالنقض بذاتها على بيان الأسباب التى بُنى عليها الطعن، قصدت بهذا البيان أن تحدد أسباب الطعن وتعرفه تعريفًا واضحًا كاشفًا عن المقصود منها كشفًا وافيًا نافيًا عنها الغموض والجهالة وأن يبين منها العيب الذى يعزوه الطاعن إلى الحكم وموضعه منه وأثره في قضائه، ومن ثم فإن كل سبب يُراد التحدى به يجب أن يكون مبينًا بيانًا دقيقًا، وأن تُقدم معه لمحكمة النقض المستندات الدالة عليه وإلا كان النعى به غير مقبول. وكان من الأصول المقررة أنه ليس من مهمة محكمة النقض أن تتقصى بنفسها وجوه الخطأ في القانون، وأن تستخرج من الأوراق ما تعيب به الحكم المطعون فيه، وإنما يقع عبء ذلك على عاتق الطاعن نفسه، ومحله صحيفة طعنه ذاتها.
لما كان ذلك، وكان البين من صحيفة الطعن أن الطاعنة نعَت على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون والخطأ في تطبيقه وساقت نعيها بعبارة مبهمة غامضة؛ فلم تبين ماهية الاتفاقيات الدولية للبريد والقواعد التنظيمية للاتحاد الدولى للبريد التى تقول إنها تنظم العلاقة بينها وبين المطعون ضده الأول، وما إذا كانت جمهورية مصر العربية قد انضمت إلى هذه الاتفاقيات وتم التصديق عليها من قِبلها من عدمه، كما لم تبين كيف أن ذات العلاقة ينظمها القانون رقم ١٦ لسنة ١٩٧٠ بشأن نظام البريد، وبغير تحديد لماهية مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وموطنه من الحكم وأثره فيه، فلا تكون الطاعنة بذلك قد أوردت سبب الطعن على النحو الذى يتحقق به غرض الشارع، ومن ثم يكون النعى بهذا الشق نعيًا مجهلًا غير مقبول.
وحيث إن الهيئة الطاعنة تنعَى بالشق الثانى من الوجه الثانى من سبب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، إذ ألزمها بالتعويض المقضي به على الرغم من انتفاء الخطأ في جانبها لقيامها بتسليم الطرد محل النزاع - بعد يومين فقط من تاريخ استلامها له - للشركة المطعون ضدها الثانية التى تقع عليها وحدها مسئولية التعويض عن الضرر المزعوم في حالة تحققه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن هيئة البريد وهى تباشر ضمن عملياتها نقل الرسائل والطرود تعتبر أمينة للنقل ووكيلة بالعمولة في الوقت نفسه، فهى تتسلم الرسائل والطرود من أصحابها ثم تقوم بنقلها بواسطة عمالها وسياراتها أو بواسطة قطارات السكة الحديد أو طائرات الرحلات الداخلية إلى المرسَل إليهم داخل مصر، أو تقوم بنقلها بواسطة طائرات الرحلات الخارجية إن كان المرسَل إليهم في الخارج، وكل هؤلاء أمناء نقل كل منهم في دائرة عمله واختصاصه، وتتولى هيئة البريد الاتفاق معهم بغير تداخل من المرسِل. وعلى ذلك فإن هيئة البريد حين تنقل الرسائل والطرود بنفسها ووسائلها الخاصة تبقى دائمًا أمينًا للنقل، وإن استعانت بغيرها واختارت هى هذا الغير صارت وكيلًا بالعمولة للنقل لأنها هى المشرفة على العملية من بدايتها إلى نهايتها، أو بمعنى آخر هى الآمرة والمسيطرة عليها بغير تداخل من المرسِل، ويعتبر عملها هذا عملًا تجاريًا تحكمه المادة ٥(ح)، والمواد ٢٠٨ وما بعدها، والمواد ٢٧٣ وما بعدها من قانون التجارة التى توجب عليها نقل الرسائل والطرود وسلامة وصولها وتسليمها للمرسَل إليهم وتحمل مسئولية الهلاك والتلف والتأخير في التسليم. والمسئولية هنا بطبيعتها مسئولية تعاقدية تنشأ عن إخلالها بواجبها في تنفيذ عقد النقل، فتلتزم بالتعويض طبقًا للقواعد المقررة في القانون المدنى وفى نطاق مشروعية شروط الإعفاء من المسئولية أو تحديدها.
لما كان ذلك، وكانت الهيئة الطاعنة بوصفها أمينة للنقل ووكيلة بالعمولة على النحو السالف بيانه قد قامت بنقل الطرد الخاص بالمطعون ضده الأول عن طريق أمين نقل هو الشركة المطعون ضدها الثانية، فإن هذه الهيئة تكون ضامنة للخطأ الذى يقع من الأخيرة، ولذلك فلا تستطيع هيئة البريد أن تدفع عن نفسها المسئولية بخطأ أمين النقل الذى اختارته هى بغير تداخل من صاحب الطرد، ومن ثم يكون النعى على الحكم المطعون فيه بهذا الشق على غير أساس.
ولما تقدم، يتعين رفض الطعن.
تعليقات
إرسال تعليق
دع تعليقك هنا